كاتيا دبغي
أعرفه جيّدا ، هذا الخباّز البارع الذي أشبعنا مسرحاً وضحكاً وفناً. واكبته في مسرحياته السنوية على مسرح شاتوتريانو في بيروت وهو "يتشقلب" على خشبته و"يتعملق" ويهرول بين جنباته ، يقفز على وقع قهقهة جماعية ، صانعاً للدهشة بائعاً للفرح ، خاطفاً للحظات من السعادة تسري عدواها بين جمهور مسرحه ، الذي يتحوّل بفعل ساحر إلى أوركسترا متناغمة تترجم هذا الدفق الإنساني الذي يسري من الصف الأول إلى جمهور البلكونة .
أعرف أنّه ممثل من طراز ما قبل الأول ، متمّكن من إبداعه ، "معجون" بموهبته حتى الفطرة ، بليغ في وجعه ، شغوف بما يقدمه ، سارق لأزمنة الطفولة الهاربة ، والضاحك الذي تلتقي دموع مقلتيه بغمازة ابتسامته ، ونكاد لا نفرّق ، أيبكي الخباز فرحاً أم يضحك من شدّة الحزن ؟! تحوّلت مسرحيات جورج خبّاز إلى تقليد سنوي ننتظره في مواسم الأعياد ، ونعد أنفسنا أننّا قد نفرح ونضحك ونحزن ونسخر ونبكي في آن ، ولا ندري ما هي "العجينة " التي حضّرها لنا في كل مرّة ، هذا الخبّاز البارع !
غاب مسرح جورج خباز بفعل كورونا والأزمات التي عصفت بوطنه ، وغاب جزء من ذاكرتنا المسرحية "المتنفّس " الذي يشبه كثيراً هذا الوطن ، ولم نعد نرى جورج خباز إلاّ في بعض الأعمال السينمائية المتفرقة وفي مدينته البترون حيث غالباً ما ألمحه متجولاً بين أزقّتها القديمة أو على دراجة ناريّة تماماً مثل براندو .
وكم يشبه براندو جورج خبّاز الحالم المعجون بالموهبة والساخر الكبير . اليوم أعدت اكتشاف جورج خباّز في "براندو الشرق "،المسلسل الذي عرضته منصة شاهد أخيراً، وجمع بين قطبين كوميديين هما جورج خبّاز وأمل عرفة في توليفة ذكية غنّية تلعب على وتر المشاعر الإنسانية الجميلة لتنسج سيمفونية متأرجحة ،تأخذنا بين الواقع والخيال إلى عالم صناعة السينما والأحلام .
في "براندو الشرق " نرافق جورج خباز في رحلة حلمه المستحيل ، الموظف البسيط الذي يبحث عن ممّول لفيلمه السينمائي الذي يصطدم بعقبات الواقع المرير، ولكنه لا يتخلى عن حلمه حتى يبصر النور ويخرج "براندو الشرق " من غياهب العتمة إلى البلاتوه ، في نص صاغه بمهارة وحرفية عالية بطله جورج خبّاز ونقلته عدسة المخرج أمين درّة وزيّنته أمل عرفة بحضورها القريب إلى القلب ، و"أستذة " المايسترو كميل سلامة .
لقد أعطى جورج خباز في هذا العمل المؤلف من 10 حلقات خبزه "للخباّز" نفسه ، فتأّنى واجتهد وبرع في بناء شخصية يوسف المعجونة من الطيبة ، الحب ، العطف ، الحزن والخوف ولا يبخل بزخم من الأحاسيس الدافئة يدفقها على الشخصية ليجعلنا نتعاطف معها ونتمسك بحلمها ونحثها على أن لا تتراجع كأنها تشبه نفوسنا المتخاذلة في لحظات الضعف .أحببت كثيرا براندو خباز ، المختلف في النص عمّأ هو شائع ومتداول ، والفريد في مشهديته السينمائية المتداخلة مع الشاشة الصغيرة .جورج خباز ، لا تتوقف عن دهشتنا .نريد- مثل براندو- أعمالاً أصلية بأقلام ورؤيا عربية خارجة عن خارطة الأعمال المقتبسة التركية وغيرها .أيّها الخباز ، لا تتوقف .فعجينك من ذهب ...!